الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى: وللصداق تسعة أسماء الصداق والصدقة, والمهر والنحلة والفريضة, والأجر والعلائق والعقر, والحباء روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أدوا العلائق قيل: يا رسول الله وما العلائق؟ قال: ما تراضى به الأهلون) وقال عمر: لها عقر نسائها وقال مهلهل: أنكحها فقدها الأراقم في ** جنب وكان الحباء من أدم لو بأبانين جاء يخطبها ** خضب ما وجه خاطب بدم يقال: أصدقت المرأة ومهرتها ولا يقال: أمهرتها. ويستحب أن لا يعرى النكاح عن تسمية الصداق لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يزوج بناته وغيرهن ويتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق وقال للذي زوجه الموهوبة: (هل من شيء تصدقها به؟ فالتمس فلم يجد شيئا قال: التمس ولو خاتما من حديد فلم يجد شيئا, فزوجه إياها بما معه من القرآن) ولأنه أقطع للنزاع وللخلاف فيه وليس ذكره شرطا بدليل قوله تعالى: قال: وإذا كانت المرأة بالغة رشيدة, أو صغيرة عقد عليها أبوها فأي صداق اتفقوا عليه فهو جائز إذا كان شيئا له نصف يحصل في هذه المسألة ثلاثة فصول: أن الصداق غير مقدر, لا أقله ولا أكثره بل كل ما كان مالا جاز أن يكون صداقا وبهذا قال الحسن وعطاء وعمرو بن دينار, وابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي, والليث والشافعي وإسحاق, وأبو ثور وداود وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وقال: لو أصدقها سوطا لحلت وعن سعيد بن جبير, والنخعي وابن شبرمة ومالك وأبي حنيفة: هو مقدر الأقل ثم اختلفوا, فقال مالك وأبو حنيفة: أقله ما يقطع به السارق وقال ابن شبرمة: خمسة دراهم وعن النخعي: أربعون درهما وعنه عشرون وعنه عشرون وعنه رطل من الذهب وعن سعيد بن جبير: خمسون درهما واحتج أبو حنيفة بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا مهر أقل من عشرة دراهم) ولأنه يستباح به عضو فكان مقدرا كالذي يقطع به السارق ولنا, قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للذي زوجه: (هل عندك من شيء تصدقها؟ قال: لا أجد قال: التمس ولو خاتما من حديد) متفق عليه وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة, تزوجت على نعلين فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم فأجازه) أخرجه أبو داود والترمذي, وقال: حديث حسن صحيح وعن جابر أن رسول الله قال: (لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يده طعاما كانت له حلالا) رواه الإمام أحمد, في المسند وفي لفظ عن جابر قال: (كنا ننكح على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القبضة من الطعام) رواه الأثرم ولأن قول الله عز وجل: وكل ما جاز ثمنا في البيع, أو أجرة في الإجارة من العين والدين والحال والمؤجل, والقليل والكثير ومنافع الحر والعبد وغيرهما جاز أن يكون صداقا وقد روى الدارقطني, بإسناده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أنكحوا الأيامى وأدوا العلائق قيل: ما العلائق بينهم يا رسول الله؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون, ولو قضيبا من أراك) ورواه الجوزجاني وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة: منافع الحر لا تكون صداقا لأنها ليست مالا وإنما قال الله تعالى: ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية وبهذا قال الشافعي وقال النخعي, ومالك والثوري والأوزاعي, وأصحاب الرأي وأبو عبيد: يصح ولنا أن الحملان مجهول لا يوقف له على حد, فلم يصح كما لو أصدقها شيئا فعلى هذا لها مهر المثل وكذلك كل موضع قلنا: لا تصح التسمية. وإن أصدقها خياطة ثوب بعينه, فهلك الثوب لم تفسد التسمية ولم يجب مهر المثل لأن تعذر تسليم ما أصدقها بعينه لا يوجب مهر المثل, كما لو أصدقها قفيز حنطة فهلك قبل تسليمه ويجب عليه أجر مثل خياطته لأن المعقود على العمل فيه تلف فوجب الرجوع إلى عوض العمل كما لو أصدقها تعليم عبدها صناعة فمات قبل التعليم, وإن عجز عن خياطته مع بقاء الثوب لمرض أو نحوه فعليه أن يقيم مقامه من يخيطه وإن طلقها قبل خياطته قبل الدخول فعليه خياطة نصفه إن أمكن معرفة نصفه وإن لم يمكن فعليه نصف أجر خياطته إلا أن يبذل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قد خاط النصف يقينا, وإن كان الطلاق بعد خياطته رجع عليه بنصف أجره. وإن أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة صح لأنه منفعة معلومة يجوز بذل العوض عنها فجاز جعلها صداقا كخياطة ثوبها وإن أصدقها تعليمه أو تعليمها شعرا مباحا معينا أو فقها أو لغة أو نحوا أو غير ذلك من العلوم الشرعية التي يجوز أخذ الأجرة على تعليمها جاز وصحت التسمية لأنه يجوز أخذ الأجرة عليه فجاز صداقا كمنافع الدار. فإن أصدقها تعليم سورة لا يحسنها نظرت فإن قال: أحصل لك تعليم هذه السورة صح لأن هذه منفعة في ذمته لا تختص به فجاز أن يستأجر عليها من لا يحسنها كالخياطة إذا استأجر من يحصلها له وإن قال: على أن أعلمك فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح, لأنه تعين بفعله وهو لا يقدر عليه فأشبه ما لو استأجر من لا يحسن الخياطة ليخيط له وذكر في المجرد أنه يحتمل الصحة لأن هذه تكون في ذمته فأشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال. فإن جاءته بغيرها, فقالت: علمه السورة التي تريد تعليمي إياها لم يلزمه لأن المستحق عليه العمل في عين فلم يلزمه إيقاعه في غيره كما لو استأجرته لخياطة ثوب فأتته بغيره, فقالت: خط هذا ولأن المتعلمين يختلفون في التعلم اختلافا كثيرا ولأن له غرضا في تعليمها فلا يجبر على تعليم غيرها وإن أتاها بغيره يعلمها, لم يلزمها قبول ذلك لأن المعلمين يختلفون في التعليم ولأن لها غرضا في التعلم منه لكونه زوجها تحل له ويحل لها, ولأنه لما لم يلزمه تعليم غيرها لم يلزمها التعلم من غيره قياسا لأحدهما على الآخر. فإن تعلمتها من غيره أو تعذر عليه تعليمها فعليه أجر تعليمها, فإن اختلفا فقال: علمتكها فأنكرت فالقول قولها لأن الأصل عدم تعليمها وفيه وجه آخر أنهما إن اختلفا بعد أن تعلمتها فالقول قوله لأن الظاهر معها, وإن علمها السورة ثم أنسيتها فلا شيء عليه لأنه قد وفي لها بما شرط وإنما تلف الصداق بعد القبض وإن لقنها الجميع وكلما لقنها آية أنسيتها لم يعتد بذلك تعليما لأن ذلك لا يعد تعليما ولو جاز ذلك لأفضى إلى أنه متى قرأها فقرأتها بلسانها من غير حفظ كان تلقينا ويحتمل أن يكون ذلك تلقينا لأنه قد لقنها الآية وحفظتها, فأما ما دون الآية فليس بتلقين وجها واحدا. فإن طلقها قبل الدخول بعد تعليمها السورة رجع عليها بنصف أجر تعليمها لأن الطلاق قبل الدخول يوجب الرجوع بنصف الصداق وإن لم يكن علمها ففيه وجهان: أحدهما عليه نصف أجر تعليمها, لأنها قد صارت أجنبية فلا يؤمن في تعليمها الفتنة والثاني يباح له تعليمها من وراء حجاب من غير خلوة بها كما يجوز له سماع كلامها في المعاملات, وإن كان الطلاق بعد الدخول ففي تعليمها السورة الوجهان وإن أصدقها رد عبدها من مكان معين فطلقها قبل الدخول وقبل الرد فعليه نصف أجر الرد لأنه لا يمكنه نصف الرد, وإن طلقها بعد الرد رجع عليها بنصف أجره.
|